حرية الرأي في السعودية- مساحة للتعبير المسؤول أم واجب وطني؟

المؤلف: فراس طرابلسي09.02.2025
حرية الرأي في السعودية- مساحة للتعبير المسؤول أم واجب وطني؟

اختتمت جمعية كتاب الرأي فعاليات ورشة العمل التي نظمتها على مدار الأسبوع المنصرم، والتي شملت ثلاث مدن رئيسية بالمملكة: جدة، الرياض، والخبر. وقد تمحورت الدورة الختامية حول موضوع "تحديات كاتب الرأي والمعارف الضرورية"، وتميزت الدورة بحوارات صريحة وتجارب قيمة لنخبة من المفكرين. ومع ذلك، برز سؤال جوهري يشغل الكثيرين، وتكرر طرحه سواء بشكل صريح أو ضمني: هل لا يزال الكاتب يحتفظ بحرية التعبير الكاملة عندما يبدي رأيًا واضحًا في القضايا العامة؟ الإجابة الحاسمة لم تأتِ من داخل قاعة المحاضرات، بل جاءت من خارجها، عبر تصريح هام أدلى به معالي وزير الإعلام، حيث أكد قائلاً: "طالما نتحدث عن الحرية المسؤولة، فإننا نشجع الإعلام بكل قوة على إظهار مواطن الخلل، ومن حق المواطنين التعبير بأسلوب بناء يخدم مصلحة الوطن. وعندما تتناول وسائل الإعلام أداء جهة ما أو خدمة معينة، فإن ذلك يندرج ضمن واجبها الأساسي، ويُعد خدمة جليلة للحكومة. نحن لا نعتبر ذلك سلوكًا سلبيًا على الإطلاق، بل نراه مسؤولية وطنية أصيلة". هذا التصريح، بعباراته الواضحة، لا يكتفي بتبرير هامش الرأي المتاح، بل يرسخه ضمن إطار راسخ من القيم النبيلة: فالأمانة الوطنية والمسؤولية الإعلامية وجهان لعملة واحدة، والتنبيه لمواطن الضعف، عندما يكون مدفوعًا بالنزاهة والإخلاص، لا يمثل خروجًا عن الصف، بل تعبير صادق عن الاندماج مع رؤية الدولة الطامحة إلى التطوير والتحسين المستمر. وفي سياق الجدل الدائر أحيانًا، يجب التمييز بدقة بين "النقد البناء" و"الانتقاد الهدام". فالنقد البناء هو عمل واعٍ يهدف إلى تحديد مواطن الخلل دون التقليل من الإنجازات المتحققة، بينما الانتقاد الهدام هو نزعة سلبية لا ترى في المشهد سوى الجوانب السلبية. فالنقد البناء يرمم ويحسن، بينما الانتقاد الهدام يدمر ويعيق. النقد البناء هو إصلاح، والانتقاد الهدام هو مجرد رد فعل انفعالي. إن ما نشهده اليوم في المملكة العربية السعودية ليس مجرد انفتاح إعلامي بالمعنى التقليدي، بل هو إعادة تشكيل للعلاقة الوثيقة بين الكاتب والمؤسسة. لم يعد الكاتب كيانًا منفصلاً يعلق من الخارج، بل أصبح شريكًا فاعلاً يتمتع ببصيرة نافذة، ويسهم في تصحيح المسار. لم يعد يكتب بدافع المواجهة، بل انطلاقًا من رغبة صادقة في التطوير، وإحساس عميق بالمسؤولية تجاه وطنه. إن مصطلح "الحرية المسؤولة" ليس مجرد شعار يتردد في البيانات الرسمية، بل هو رؤية واعية تقدر الرأي المستند إلى المعرفة، وتحترم الكلمة الهادفة إلى الإصلاح لا التشهير. إنها ليست قيودًا مقنعة كما يتصور البعض، بل هي آداب رفيعة المستوى تحافظ على جمال الطرح، ومكانة الكاتب، وهيبة الدولة في آن واحد. وفي ظل رؤية المملكة 2030 الطموحة، وما نشهده من انفتاح فكري وإعلامي غير مسبوق، تتضح ملامح مرحلة جديدة ومزدهرة: حرية الرأي لم تعد مجرد حق مكفول، بل أصبحت موجهة نحو البناء والتنمية، لا نحو التشهير والإساءة. نحو الكشف عن جوانب القصور مع الاعتراف بالإنجازات. فالمسؤولية لا تكتمل بمجرد الإشارة إلى الخلل، بل بتقديم الحلول التي تسهم في التحسين والتطوير. إننا نكتب لأننا ننتمي إلى هذا الوطن المعطاء. نُشير إلى الأخطاء لأننا نؤمن بأن الأفضل ممكن. وفي ظل هذا الوعي، تصبح حرية الكاتب ليست مجرد امتياز ممنوح، بل هي مسؤولية وطنية عظيمة تُمارَس بصدق، وبصيرة، ووفاء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة